من دعم استعادة الدولة… إلى دعم بقاء الوحدة هل تنجح المملكة العربية السعودية فيما فشلت فيه سابقًا؟
- 2025-12-29 10:42:06
كتب / جمال بدر العواضي
باريس - انطلقت بعض الأطراف، خلال الأيام القليلة الماضية ، بخطاب سياسي وإعلامي مشحون، يتسم بسخونة مفرطة وتضليلٍ واضحٍ ومتعمد، ساعيةً إلى عقد مقارنات مغلوطة بين مطالب الجنوبيين المنتمين إلى اليمن الجنوبي أو ما كان يُعرف باتحاد الجنوب العربي وبين مطالب أقاليم أو جماعات أخرى كأرض الصومال أو الأكراد وغيرهم، بذريعة أن الدول الكبرى لم تعترف بتلك الكيانات.
هذا الطرح يتجاهل، أو يتغافل عمدًا، حقيقة تاريخية وقانونية مفصلية:
اليمن الجنوبي كان دولة كاملة الأركان، ذات سيادة، وعضوًا معترفًا به في الأمم المتحدة، وحظي باعتراف دولي واسع عقب استقلاله عن بريطانيا عام 1967م.
وهنا يفرض السؤال المنطقي نفسه بقوة:
لماذا لم يطالب الشمال بضم الجنوب فور استقلاله؟
وإن كان الجنوب كما يُروَّج اليوم تابعًا للشمال أو جزءًا لا يتجزأ منه، فلماذا لم يُطرح هذا الادعاء آنذاك أمام المجتمع الدولي، وفي زمن كانت فيه خرائط الدول وحدودها تُعاد صياغتها بقرارات دولية واضحة؟
الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها هي أن دولتين كاملتي السيادة اختارتا، بإرادتهما الحرة، الدخول في مشروع وحدة سياسية. وعندما تبيّن لاحقًا أن هذه الوحدة فشلت، وتحولت إلى عبء سياسي وأمني واقتصادي، بل وإلى أداة إقصاء وتهميش، فإن المطالبة بالعودة إلى الوضع السابق لا تُعد تمردًا ولا خروجًا عن الشرعية الدولية، بل حقًا سياسيًا وقانونيًا مشروعًا، تكفله الأعراف الدولية وتجارب التاريخ الحديث.
ولا يمكن في هذا السياق إغفال الجهود الحثيثة والاستثنائية التي بذلها الأشقاء في المملكة العربية السعودية آنذاك، ولا سيما التحركات المكثفة للأمير بندر بن عبدالعزيز، سفير المملكة في واشنطن، لدعم مطالب العودة إلى ما قبل وحدة 1990م.
وبرغم العلاقات الاستراتيجية العميقة والاستثنائية بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، إلا أن تلك الجهود لم تنجح في انتزاع قرار دولي يؤيد استعادة الدولة الجنوبية، وهو ما يفتح باب التساؤل اليوم: هل تغيّرت المعطيات؟ وهل اختلف ميزان المصالح والتحالفات؟
كما أن جميع الحالات التي يُستشهد بها في الصومال أو العراق أو غيرها لم تمر بتجربة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة ومعترف بها دوليًا، باستثناء الجنوب العربي أو جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي لا يزال علمها مرفوعًا اليوم بوصفه رمزًا سياسيًا وتاريخيًا وشرعيًا لقضية لم تُغلق بعد.
لقد آن الأوان لوقف سيل المغالطات والتضليل الإعلامي، والتعامل بجدية ومسؤولية مع مطالب الجنوبيين في استعادة دولتهم كاملة السيادة، واحترام حقهم الأصيل في تقرير مصيرهم، بعيدًا عن الوصاية أو الإنكار أو الهروب إلى مقارنات غير دقيقة.
نحن ندرك تمامًا أن مسار العودة والاعتراف الدولي ليس طريقًا قصيرًا، بل يتطلب وقتًا، وتنسيقًا عالي المستوى، وإعدادًا سياسيًا وقانونيًا محكمًا. غير أن التجاهل والتهميش والإقصاء ليس خيارًا، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من توحيد الصف الجنوبي بمختلف أطيافه وتوجهاته، على قاعدة هدف واحد لا لبس فيه.
وعلى الشقيقة الكبرى ألا تنشغل فقط بإدارة الواقع القائم الحليف في جنوب اليمن، فهناك مؤشرات ودعوات غربية متصاعدة تدفع باتجاه تسوية سياسية يمنية شاملة، تتضمن بشكل صريح أو ضمني إشراك الحوثيين ( التهديد الحقيقي لأمنها واستقرارها ) كجزء من سلطة يمنية قادمة.
وهنا يصبح السؤال أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى:
هل تنتظر الأطراف المعنية حتى يُفرض الحل من الخارج، أم تُبادر اليوم بصناعة تسوية عادلة تعترف بالحقائق قبل أن تتحول إلى أمر واقع بلا ثمن؟

